في شوارع الضفة الغربية وغزة، يتندر الفلسطينيون بأنهم ناضلوا 50 عاماً من اجل الحصول على دولة، فاذا بهم يحصلون على اثنتين. وأكثر من ذلك، يقولون إنهم بعد 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، سيكون لديهم رئيسان اضافة إلى حكومتين، اذا ما اصرت حماس بعد انتهاء ولاية محمود عباس (ابو مازن) على إعلان احمد بحر، رئيس المجلس التشريعي بالإنابة، رئيساً للسلطة. واذا ما نفذ ابو مازن تهديده بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مطلع العام، فمن الممكن ان يكون هناك مجلسان تشريعيان، لكن اكثر ما يثير سخرية الفلسطينيين، انه مع كل ما يسمونه «الترف» السلطوي، تزداد معاناتهم الاقتصادية والامنية والصحية والتعليمية على حد سواء. فلا زال الاحتلال جاثماً على صدورهم، والحواجز تخنق «الدولتين» وتعرقل حركة كل شيء.. البشر والبضائع والمسافرين والمرضى، واحيانا المسؤولين الكبار. وقال الرئيس الفلسطيني امس، إن الانتخابات الرئاسية والتشريعية ستكون في الضفة الغربية وغزة. واضاف بعد ترؤسِه اجتماعا للحكومة الفلسطينية، «مَنْ يأتي عن طريق صندوق الاقتراع، يجب أن يقبل بحكم صندوق الاقتراع، فالديمقراطية ليست لمرة واحدة وانتهى الأمر». ووجه ابو مازن كلامه لحماس، قائلا، «عليهم أن يفهموا أنه لا بد في الأخير من الانتخابات، فهناك مسلسل من الانتخابات في كل مؤسسات الدولة، سواء تشريعية، أو نقابات، أو مؤسسات أو غيرها، وإذا لم ينجحوا فعليهم أن يقروا بذلك كما فعلنا نحن من قبل».
وترفض حماس إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، وتعتبر ذلك انقلاباً على نتائج الانتخابات السابقة، وتشكك حماس في نزاهة اي انتخابات في ظل هذا الانقسام. وقال ابو مازن، «نحن سنطالب بمراقبين دوليين أيا كان عددهم أو الجهة التي يمثلونها ليأتوا ويشاهدوا ويراقبوا، وستكون انتخابات حرة وشفافة، ونتائجها مضمونة الأمانة كما فعلنا من قبل».
ولم يوضح ابو مازن كيف سيجري انتخابات في القطاع في ظل سيطرة حماس عليه، إلا أن عزام الأحمد، رئيس كتلة فتح البرلمانية، قال لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نعلم أن حماس هي التي تسيطر على الوضع في غزة، وستمنع الانتخابات، وفي هذه الحالة، يمكن اللجوء الى الاعلان ان غزة اقليم يقع تحت سيطرة عصابة مسلحة متمردة». وبحسب الأحمد، فإنه عندما تصبح غزة خارج السيطرة، فإنه يمكن للمشاركين في الانتخابات، (الفصائل والمستقلين) ان يرشحوا مرشحيهم من الضفة وغزة ضمن قائمة موحدة على ان تتم عملية التصويت في الضفة.
ووفق ما قاله الأحمد، فإن أصوات المنتخبين في الضفة تكفي لإنجاح هذه الانتخابات، وان المرشحين ضمن القوائم الواحدة من غزة يمكن ان يمارسوا عملهم في التشريعي من خلال حضورهم للضفة. وإذا ما طبقت السلطة رؤيتها، فهذا يعني ان الانتخابات ستقتصر على اهل الضفة الذين سيمثلون بحسب الاحمد، سكان القطاع، وهو ما يعني على الاغلب ضمان فوز حركة فتح بالرئاسة والتشريعي معاً.
وتعتبر حماس دعوة عباس لإجراء انتخابات تشريعية، باطلة، وتوافق فقط على انتخابات رئاسية. وقال وزير العدل في الحكومة المقالة محمد فرج الغول، إن إعلان ابو مازن عن إجراء انتخابات تشريعية مبكرة مخالف للقانون الأساسي. واعتبر الغول «انه لا يُعقلُ أن يتم الربط بين انتخابات رئيس السلطة والمجلس التشريعي، في حين أنه يمكن أن يشغر منصب الرئيس في أي لحظة سواء بالوفاة أو الاستقالة أو فقدان الأهلية، وبالتالي هل سيجبر المجلس التشريعي على الاستقالة لإجراء انتخابات جديدة رئاسية وتشريعية؟».
وبينما تستمر حالة الجدل القانوني والسياسي، بين سلطتي رام الله وغزة، وتبادل الاتهامات احيانا والشتائم احيانا اخرى، فان الفلسطينيين العاديين الذين لا طموحات حزبية لديهم، يرون أنهم يدفعون وحدهم ثمناً باهظاً لهذا الانقسام السياسي.
وقال ابراهيم سعادة، من رام الله، «دعوة الرئيس الى انتخابات، تعني الانفصال التام عن غزة، ونحن فقط مَنْ يدفع الثمن، نحن محاصرون ايضاً مثل غزة. وهذا ما يريده الاحتلال، شعب محاصر في القطاع وآخر عايش على (الشحدة) في الضفة، والدولة التي كنا نحلم بها صارت دولتين متقاتلتين». وقال سليم الهندي، من غزة، وهو ناشط مجتمعي، «نحن نذهب نحو الهلاك كما يتضح، هذه المعركة بين حماس وفتح تدمر كل شيء والانقسام يضرب اقتصادنا وأمننا وبنيتنا وحتى احلامنا». واضاف «تخيل لدينا وزيرا عمل وما في عمل، ووزيرا صحة والناس بتموت». وتابع نحن اكثر شعب لديه وزراء وحكومات بدون أمن وبدون اقتصاد وبدون حرية».
وقالت منال سالم، من الضفة، «كنا نحلم بشبر من اجل دولة، فصارت عندنا دولتان وحكومتان وسيصير عندنا رئيسان، والحمد لله لا شغل ولا اقتصاد ولا أمن ولا هم يحزنون». وأمام أحدِ المحلات التجارية في بيت لحم، كانت تجلس مجموعة من الشباب، يشربون الشاي مع الركود الذي يصيب الحركة التجارية هناك، قال أحدهم وقد خرج أخيراً من السجن، «الناس مفلسة، شوف احكيلك، إحنا بواد وقياداتنا بواد ثاني، انتخابات إيش اللي بيحكوا عنها، ما في بيع، ما في اقتصاد، ما في أفق حتى للمستقبل، وهم مشغولون بقصص اصبحت بصراحة بتضحكني، انا مش عارف كم وزير صار عنَّا، والله ما بعرف، وهي هذا (اشار الى احد الشباب الذي يعاني من مشاكل صحية) اتفضل خلي حد يعالجو، بس المسؤولين عنا بروحو على هداسا (مستشفى اسرائيلي بالقدس)، الناس لو ماتت عادي، وبحكولي دولة وتشريعي وحكومة ومش عارف ايش».