يحتوي جسم الإنسان على حوالي 1 كغم من الكالسيوم ، وتتركز النسبة الكبرى منه ، حوالي (99% ) في العظام والأسنان حيث توفر لهما القوة والصلابة .
إن نقص هذه المادة في جسم الإنسان قد يؤدي للإصابة بما يسمى بهشاشة او وهن العظام ، هذا المرض الصامت القديم ، حيث كان أول من اشتكى منه سيدنا زكريا عليه السلام فقد قال تعالى على لسان عبده زكريا عليه السلام " قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا " مريم 4 .
إن مبدأ الوقاية خير من العلاج وخصوصا في مثل هذا المرض لذا لا بد من الحرص على انتقاء الأغذية بل وحتى تناول بعض الأدوية للحفاظ على مستويات جيدة من الكالسيوم في الدم ودخول مرحلة ما قبل الشيخوخة باحتياط كالسيوم ممتاز .
تقدر حاجة الجسم من الكالسيوم بحوالي 1000ملغم للبالغين ، وحوالي 1500 ملغم في حالة الحمل والرضاعة ، حيث تعتبر هذه النسبة كبيرة لا يمكن للحليب كما يشاع أن يسدها ولا لأي مصدر غذائي آخر ولا بد من الجوء لتناول الكالسيوم كمستحضر دوائي ( مكمل غذائي ) ، وبما أن الكالسيوم يذوب بسرعة في الحوامض فالأفضل تناوله مع عصير الليمون لانه يذوب ويمتص في الوسط الحامضي افضل من الوسط القاعدي .
أما ما يشاع من أن الحليب مصدر جيد للكالسيوم فهذا ادعاء بعيد عن الحقيقة تتبناه شركات تصنيع وتعليب وتسويق الحليب العملاقة والتي تقدر ميزانيتها بميزانية كبرى شركات بيع الأسلحة والذخائر .
إن الحقائق التالية كفيلة بأن تفند مثل هذه الادعاءات :
1- من المعروف ان كل 100مل من الحليب تحتوي على حوالي 120 ملغم كالسيوم ، أي ان اللتر يحتوي على حوالي 1200 ملغم من الكالسيوم ، وحيث انه لا يمتص سوى 20% من كالسيوم الحليب هذا فهو يعني انك بحاجة لحوالي 5 لترات حليب يوميا وهذا ما لايمكن تناوله يوميا .
2- من المعروف ان الكالسيوم لا يذوب في الوسط القلوي وقليل الحموضة ، ولكونه غير ذواب ، فهو لا يمتص كاملا ، حيث ان نسبة الحموضة في اسفل الأمعاء ( مكان امتصاص الكالسيوم ) عادة ما تكون منخفضة وتميل للقلوية .
3- ان معظم الشعوب العربية والعالمية باستثناء الشعب القوقازي يعانون منذ آلاف السنين من طفرة مجهولة السبب، ادت الي نقص او عدم وجود كميات كافية من انزيم اللاكتيز الضروري لهضم الحليب وامتصاصه وخصوصا بعد سنتين من العمر ، وكون هذا الانزيم ضروري لهضم الحليب وخصوصا سكره ( لاكتوز ) وهو لا يوجد ، او يتواجد بكميات ضئيلة في الأمعاء ، فإن هضم الحليب لا يتم بشكله الطبيعي الذي يسمح بانحلال الكالسيوم منه وامتصاصه ، حيث يؤدي شرب الحليب عند معظمنا للشعور بالمغص والغازات وقرقعة البطن نتيجة سوء هضمه ، وللمساعدة في التغلب على مثل هذه الظاهرة ، فقد طرح مؤخرا في الأسواق حبوب ( لاكتيد ) توضع مع كوب الحليب ويشرب بعد ذوبانها ، أو يمكن إضافة ملعقة صغيرة من مسحوق الكاكاو لكل كوب حليب قبل الشرب للتغلب على ظاهرة نقص انزيم اللاكتيز وما ينجم عن ذلك من اضطرابات هضمية ، وهذا ما يتماشى مع قوله تعالى " وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " البقرة (233) .
أي أن الحليب لا يفيدك كثيرا أيها المستهلك بعد سن الفطام والذي يقدر بسنتين والغريب بالأمر أن الإنسان من الثدييات الذي يصر على تناول الحليب بعد سن الفطام ، علما بأنه من المفروض أن يترك حليب البقرة لعجلها والذي يزن 10 أضعاف الطفل ، وكذلك الأمر مع حليب الناقة الذي تمنحه لوليدها ، فلماذا لا يترك الإنسان الحليب لأصحابه ويكتفي بالحليب حتى سن الفطام ، أم ان شركات الدعاية والإعلان والأساطير المتوارثة والمحبوكة عن الحليب قد خلطت الحابل بالنابل وأقنعتنا بني البشر ، أن الحليب هو أفضل ما يمكن ان نتناوله صباحا ومساء ، بغض النظر عن العمر والمرض ، علما بأنه متهم الآن ( الحليب ) بالتسبب بالأزمات الصدرية وضيق التنفس حيث انه يزيد لزوجة إفرازات القصبات الهوائية والمسالك التنفسية .
4- ان الحليب وخصوصا كامل الدسم يحتوي على نسبة لا بأس بها من الدهون المشبعة والتي بدورها تتحد مع الكالسيوم في الأجواء القلوية لتكون ما يسمى بصابونة كلسية صعبة الامتصاص والانحلال ،لذا نلاحظ ان معظم أخصائيو التغذية وحتى شركات الحليب نفسها بدأت تنصح بتناول الحليب خالي أو قليل الدسم لضمان نسبة امتصاص ولو قليلة مما يحتويه من الكالسيوم .
خلاصة القول :
لا تعتمدوا على الحليب كمصدر جيد للكالسيوم فقط ، فهذا من ادعاءات شركات الحليب العملاقة والتي تصرف الملايين لنشر هذا الادعاء ، وتنفق الملايين على الأبحاث لاكتشاف أدوية وحقن كهرمونات النمو كالتي تعطى للبقر ليدر أضعاف مضاعفة من كميات الحليب المعتادة ، وقد ضبط أخيرا في الأسواق الأمريكية حقن تعطى للبقر لجعلها قادرة على إدرار الحليب مدة 12 شهر في السنة .
إن أضرار مثل هذه الأدوية على الإنسان كبيرة جدا اذا ما قورنت بالفوائد التي يمكن ان يحصل عليها شاربو الحليب .
وحيث أن الكالسيوم لا يوجد بالمصادر النباتية بشكل منحل فهو موجود بشكل فايتيت او اوكسالات ناهيك عن الألياف الموجودة بالمصادر النباتية التي تعيق امتصاصه مما يجعل المصادر النباتية فقيرة بالكالسيوم الممتص بعد تناولها ، لذا لا بد من تناول حاجتك من الكالسيوم كمكملات غذائية بشكلها الصيدلاني ،حبوب أو شراب ، ويفضل أن تحتوي على كميات من فيتامين سي الذي يسهل ويزيد من كميات الكالسيوم التي يمكن ان تمتص من الأمعاء .